وحول الشهادة عند العلويين النصيريين اجرت وكالة مهر للأنباء مع الباحث الديني العلوي السوري الدكتور أحمد أديب أحمد الحوار التالي:
وكالة مهر للانباء: ما تعليقك على من يقولون أنكم لا تشهدون شهادة الإسلام؟
د. أحمد: يقول تعالى: "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ"، وقد بات من المخجل أن يطعن أعداؤنا بانتمائنا للإسلام ويكذبوا شهادتنا التي فرضها الدين الحنيف: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، فمبدأ الإيمان الحق لا يتم إلا بشهادة الحق، لذلك لا يجوز أن تكون شهادة الحق ناقصة، بل كاملة لقول الإمام جعفر الصادق "ع": "كلمة أولها كفر وآخرها إيمان، فلو قال: "لا إله" وسكت لكان كفر".
وكالة مهر للانباء: إن ما دعا البعض لاتهامكم هو أنكم تدَّعون أنكم تشهدون للحاضر الموجود، فما هو معنى الشهادة للحاضر الموجود وماذا تقصدون بها؟
د. أحمد: الشهادة جاءت من الفعل "شهد"، وهذا الشهود يقتضي المعرفة واليقين والتصديق حتى يتحقق التجلي، فالإمام علي كرم الله وجهه أكد في نهج البلاغة أَنَّ شهادة لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: "شَهَادَةُ إِيمَانٍ وإِيقَانٍ وإِخْلاصٍ وإِذْعَانٍ"، لذلك فإن ذروةُ سرِّ الإيمان تَكمنُ في الشهادة للهِ لقوله تعالى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"، فاليقينُ طريقٌ للوصول إلى القمةِ التي يكونُ معها قوله تعالى: "لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ". ولكن لا تتم الشهادة إلا بتحقيق المعرفة التي هي أساسٌ لصدقها لقوله تعالى: "وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ".
وكالة مهر للانباء: وهل يعني ذلك أنكم تعلمون الغيب فتشهدون له؟
د. أحمد: طبعاً لا نحن ولا أحد يعلم الغيب إطلاقاً، لكن هل تعلم لماذا جاء الإسلام بالشهادة؟ لأن مشركي قريش عند بعثة سيدنا محمد "ص" كانوا يعبدون الأوثان وينكرون وجود الباري، وكانوا كالقوم الذين عارضوا سيدنا موسى "ع" وقالوا له: "أرنا الله جهرة"، وكان الأوجب لو كانوا مؤمنين أن يسألوا سيدنا موسى "ع" ويسألوا سيدنا محمد "ص": "ما الدَّليلُ على وجودِ الباري؟"، فكلمةُ "الدَّليلِ" لا تكونُ إلا لإثباتِ موجودٍ مشهودٍ، لأنَّ ما لا يوجدُ مشهودًا لا يُقالُ: "ما الدَّليلُ عليه؟"، مع الإشارة إلى أن الدَّليلَ غيرُ المدلولِ عليهِ، والمَثَلَ غيرُ الممثولِ بهِ، ولكن الأدلَّةَ والأمثالَ طُرُقُ الاستدلالِ.
وكالة مهر للانباء: هل المقصود بالموجود المشهود الإمام علي؟ خاصة أنه يقال أنكم تقولون في شهادتكم: "لا إله إلا علي"؟
د. أحمد: بل نحن نقول: "لا إله إلا العلي العظيم"، واسم "العلي" من أسماء الله الحسنى، وقد ذكر في القرآن الكريم ست مرات، ولكن المقصود بالموجود المشهود هو ما أشار إليه الإمام علي كرم الله وجهه في الخطبة المعروفة بالوسيلة: "عليكم بتقوى الله في الغيب والشهادة"، فإذا كان عالم الغيب عبارة عن الوجود المجرد عن المواد والصور، فإن عالم الشهادة هو عالم الحس والدليل على السر الخفي المستور لأصحاب العقول النيرة والقلوب المطيعة الخالية من الشرك والتشبيه.
فالمشركون المشبهون زَعَموا أنَّ الشهادةَ حالةُ نقصٍ مُمْتَنِعةٌ أصـلاً مُحتجِّينَ بقوله تعالى: "لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ"، وهذا استدلالٌ خاطئٌ أرادوا به نفيَ الوجودِ الإلهي، لأنَّ الآيةَ نَفَتْ إدراكَ الإحاطةِ ولم تَنفِ الشهادةَ، لأنَّ ما لا يكونُ مشهوداً لا يمكنُ الاستدلالُ عليهِ، ولا يجوزُ أن يكونَ الباري ممنوعَ الوجودِ. فالآية الكريمةُ إذن نَفَت الإدراكَ بالعينِ، ولم تَنفِ الشَّهادةَ، إذْ إنَّ مَن لم يَشهَدوا للحق كانت شهادَتُهُم باطلةً، مَثَلُهُم كَمَنْ ذكرَهم تعالى بقولِهِ: "وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ" لأنَّ قلوبَهم جاحدةٌ ومنكرةٌ وبعيدةٌ عن الإيمانِ، لا تنتفعُ بما تَرَى وَتَسْمَعُ لشدَّةِ إنكارِها عنادًا واستكبارًا وجحودًا لقوله تعالى: "فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا"، فاللهُ لا يمنعُ عنهم معرفتَهُ لقوله تعالى: "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا" وهو الدَّالُّ بوجودِهِ لعبادِهِ المؤمنينَ، ولكنَّ المشركين اسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى لأنَّهم لا يحتملونَ إشراقَ نورِ الحقِّ لقوله تعالى: "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ"، لأنَّ عيونَهم عميٌ عن صراطِ الحقِّ المَشهودِ، فلم يُبصِروا الآياتِ السَّماويةَ التي أظهرَها مع أنَّه أكَّدَ على إظهارِها بقوله: "وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا".
وكالة مهر للانباء: وكيف تكون الشهادة للمشهود والرؤية معدومة؟ وكيف يتم تعريف الناس بربهم ليشهدوا له؟
د. أحمد: لا شيءَ يمنعُ من شهود الحق تعالى، لقوله تعالى: "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ"، يعني أيُّ شيءٍ أكبرُ وجودًا وعيانًا وبيانًا، فأعلمَنا أنه مشهودٌ، لا شيءَ يحجبُهُ أو يسترُهُ في الحقيقة، وقد وردَ في نهج البلاغة: "كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلانِيَةٌ وكُلُّ غَيْبٍ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ"، لكن الشهادة لا يمكن أن تبدأ من تلقاء المخلوقين أنفسهم، لأنهم بحاجة للتعليم والإرشاد من قبل باريهم وخالقهم، لذلك جاء قوله تعالى على لسان الملائكة وهم يخاطبون ربهم: "قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"، وعلى هذا الأساس فإن أول الشهادة هي شهادة الله جل جلاله تعليماً للخلق لقوله في الحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق، لكي اعرف، فبه عرفوني"، ولهذا جاءت الآية الكريمة: "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، فالله هو الشاهد الأول، الذي عرَّف الخلقَ معنى الشهادة للباري سبحانه، وكيف تكون الشهادة لإله موجودٍ مشهود، فشهد الأنبياء وشهدت الملائكة لما عرفته، وشهد أولو العلم بالحق.
فالله شهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته، إذ لم يبق شاهد ولا مشهود غيره، ثم رجع إلى مقام التفصيل فشهد بنفسه مع غيره من الملائكة وأولي العلم على وحدانيته في ذلك المشهد قائما بالقسط مقيماً للعدل في تفاصيل مظاهره بإعطاء كل ذي حق حقه من جوده وكماله وتجليه بحسب استعداده واستحقاقه، لا إله إلا هو في المشهدين العزيز القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فلا يصل إليه أحد، الحكيم الذي يدبر بحكمته كل شيء، فيعطيه ما يليق به باعتبار التفصيل لقوله تعالى: "لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً".
وكالة مهر للانباء: فهل الشهادة للحاضر الموجود باللسان مجازية على أنه غائب عن العيون ولكنه حاضر في القلوب والأذهان؟
د. أحمد: هناك فرق شاسع بين النطق بالشهادة من جهة اللسان فقط، وبين تحقيق الشهادة من جهة العقل بعد نطقها باللسان، وقد ميَّزَ اللهُ سبحانُهُ أهلَ التَّحقيقِ عن أهلِ المجازِ في قوله تعالى: "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ"، فأهلُ التَّحقيقِ همِ الَّذينَ يشهدونَ الوُجودَ، ثم ينفُونَ عن ذاتِهِ تعالى ما لا يليق به جل جلاله، أمَّا أهلُ المجازِ فَيَشهدونَ للهِ بالوحدانيَّةِ من غيرِ تحقيقِ وجودٍ، بل هم مقلِّدُونَ، كمَن وجدَ غيرَهُ على طريقةٍ فتابعَهُم عليها بدونِ تدقيقٍ ولا تمحيصٍ. فنُطقُ الشهادةِ باللسانِ فقط دون إذعان بالعبودية لله تعالى تحقيقاً، يعدُّ نفاقاً لا إيماناً، وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"، أما نطق الشهادة باللسان، وتحقيق الشهادة بالعقل، فهو الحكم الفيصل في معرفة المؤمنين الذين كانوا على نهج الأنبياء موافقين، وهكذا كانت شهادة أحد المؤمنين العارفين وهو الشيخ الثقة أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني في مقدمة كتابه "تحف العقول عن آل الرسول": "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً بزغت عن إخلاص الطوي ونطق اللسان بها عبارة عن صدق خفي إنه الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى ليس كمثله شيء إذ كان الشيء من مشيئته وكان لا يشبهُهُ مكوِّنُهُ"، فالشاهدون باللسان نطقاً وبالعقل تحقيقاً هم الشاهدون للحقِّ عندما خاطبهم قائلاً: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا"، هؤلاء هم أصحاب الشهادة الحقة الذين قُبلَت شهادتهم فاستحقوا أن يكونوا نبراساً لمن تبعهم، لقوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"، وهم أنصار سيدنا محمد "ص" الذين خاطبهم تعالى بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ"، وهم أنصار سيدنا المسيح "ع" الذين ذكرهم تعالى بقوله: "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِ لَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ"./انتهى/
أجرى الحوار: محمد مظهري
تعليقك